
الواقعية والطبيعية

قم بالترقية للحصول على المزيد من المحتوى
من هو مؤلف "أوليفر تويست"؟
هل تذكر عصر الرومانسية؟ العصر الذي تكرس للعوالم الغريبة والطبيعة والأحاسيس القوية. سأم معظم الناس من ذلك الآن، لأن العالم يتغير. انتقل العديد من الناس من الريف إلى المدن للعمل في المصانع. هذه هي الحقبة الصناعية، حقبة انتشر خلالها التلوث والفقر بين الناس. استحوذ أشخاص قليلون على معظم المال، وأصبح هناك ظلم كبير. يكتب المؤلفون الآن عن العمالة البدنية، والفقر المحيط بهم، كما يكتبون عن الحرب. يريد هؤلاء الكتاب تصوير العالم "كما هو"، الواقعية. إنهم يسمون بالـ "واقعيين". دامت الواقعية لما بين 1830 حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريبا. تشارلز ديكنز هو أحد أشهر الكتاب الواقعيين. قام بوصف الظلم الواقع في انجلترا وقتها. في أوليفر تويست، أوليفر طفل يتيم يهرب إلى لندن، حيث يعيش مشردا في الشارع. ثم يلتقي فاجين، الذي يعلم أطفال الشوارع السرقة. للقصة نهاية سعيدة، حيث يتم تبنى أوليفر ويصبح لديه منزل. ولكن لماذا النهاية سعيدة؟ ألم يهدف ديكنز لانتقاد الظلم في عصره؟ هذا لأن ديكنز، كغيره من كتاب عصره، ينشرون قصصهم في الصحف، فصل واحد في الأسبوع: روايات متسلسلة، وهناك قواعد لكيفية كتابة هذه المتسلسلات، مثلا، يجب أن ينتهي كل فصل بطريقة مثيرة لتشويق القارئ للجزء التالي. مثل المسلسلات التلفزيونية في وقتنا الحاضر. ويجب أن تكون لكل قصة نهاية سعيدة، تماما مثلما في أوليفر تويست. كما يجب أن لا تكون القصص سياسية. لكن ديكنز لم يأبه لهذه القاعدة، وكان انتقاده للمجتمع سياسي جدا. حطمت قصصه جميع المقاييس في أعداد القراء، ربما بسبب ذلك، وربما أيضا بسبب شخصياته التي لا تنسى. هذا هو الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي. دوستويفسكي غير راض عن وصف الواقع الخارجي، كما أنه يريد وصف عالمنا الداخلي، ما الذي يجعل البشر يتصرفون بتلك الطريقة. إنه علم النفس، ويتضح ذلك في كتابه الجريمة والعقاب. الشخصية الرئيسية في الكتاب، روديون راسكولنيكوف هو شاب يرى أنه مهم للعالم، يقوم بقتل امرأة وضيعة تقوم بإقراض المال بالربى. قام بذلك لاحتياجه للمال، ولأنه ظن أن من حقه فعل ذلك، فهي عجوز وشريرة، وسيكون العالم أفضل بدونها، لكن شقيقتها رأت الجريمة، ورغم أنه لم يخطط لذلك، إلا أنه اضطر لقتلها هي الأخرى. وقد ندِم لذلك جدا، وشعر بعذاب تأنيب الضمير، ولم يتخلص من ذلك الألم الداخلي، حتى اعترف بجريمته وحصل على عقوبته. فتحرر من هذا الألم الداخلي. حدث شيء ما للمدرسة الواقعية مع نهاية القرن التاسع عشر، أصبح الكتاب الآن أكثر دقة في وصفهم التفصيلي. يصفون الآن العالم، ليس فقط كما يبدو، وإنما بمشاعره وروائحه ومذاقه. تسمى هذه المرحلة الجديدة من الواقعية: بالطبيعية. برع بتلك المرحلة الفرنسي إميل زولا. عرف جيدا كيف يصف جثة ميتة في المشرحة بحيث يكاد القارئ يشُم رائحة نتن اللحم الميت. يصف ذلك في روايته: تيريز راكين، حيث أُجبرت تيريز على الزواج من ابن عمها المدلل العابث كاميل، بالرغم من كرهها له. ثم تلتقي تيريز بالفنان لوران، ويقعان في علاقة محرمة، ثم يقومان بقتل كاميل غرقا، لكن الجريمة اثرت على علاقة تيريز ولوران، فلم يستطيعا نسيان جريمتَهما أبدا، ولام كل منهما الآخر بشدة، إلى أن انتحرا سويا. لذا فالفرق بين الطبيعية والواقعية هو أن الواقعية تصف الواقع كما هو، بينما تتعمق الطبيعية أكثر. لا يريد كتاب الطبيعية وصفَ الاستماع والمشاهدة فحسب، وإنما رائحة العالم ومذاقُه وشعورُه كذلك.